9y8Vvamq_400x400

السيد رئيس مجلس النواب المحترم

السيد رئيس مجلس النواب المحترم

السيد رئيس وأعضاء اللجنة القانونية المحترمين

السيدات والسادة أعضاء مجلس النواب المحترمين 

م/ مذكرة تحالف  188 للدفاع عن قانون الأحوال الشخصية

رفض تعديل قانون الأحوال الشخصية على أساس طائفي

تحية طيبة

نحن تحالف 188 للدفاع عن قانون الأحوال الشخصية النافذ، الذي يضم قوى سياسية ومدنية وشبكات نسوية، ومنظمات المجتمع المدني ومدافعي حقوق الانسان، نرفع لكم مذكرتنا التي تتضمن موقفنا من مقترح تعديل المادة الثانية والمادة العاشرة فقرة 5 من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959النافذ، المقدم من اللجنة القانونية ولجنة المرأة والأسرة والطفولة، استنادا للمادة 41 من الدستور، وتمت قراءته الأولى في جلسة مجلس النواب في 24 تموز 2024.

بدءا نجدد موقفنا الرافض لمقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية من منطلق المصلحة الوطنية العليا للحفاظ على وحدة النسيج الاجتماعي المتنوع لشعبنا، وبناء الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على مبادئ سيادة القانون والمواطنة المتساوية لجميع المواطنين نساء ورجالا.

ندرج لكم ادناه أبرز تعليقاتنا وملاحظاتنا على مقترح التعديل وأسباب رفضنا له، التي عبر عنها العديد من المختصين في القضاء والقانون وقوى سياسية وأعضاء في مجلس النواب وشخصيات ثقافية واجتماعية، وهي:

  1. ان قانون الأحوال الشخصية النافذ لا يتعارض بأي شكل من الأشكال مع الشريعة الإسلامية كما ورد في نص المادة الثانية منه، وأخذ أفضل ما في الفقهين السني والشيعي من قواعد فقهية وحولها الى قواعد قانونية تنسجم مع روح العصر وتطور الحياة في المجتمع. كذلك يتسم بكونه قانوناً جامعاً وشاملا وموحداً للأحكام الفقهية، ولا يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام (الايمان بالوحدانية، والنبوة، واليوم الاخر). فالأحوال الشخصية هي ليست من العبادات، انما هي من المعاملات التي نظمها الشارع الإسلامي في الغالب بأحكام ظنية من نتاج فكري  للفقهاء باعتمادهم  مصادر متنوعة لاستنباط الأحكام، لا مجال لذكرها في مذكرتنا.
  2.  نؤكد على ماورد في المادة 2 من الدستور بأن الإسلام مصدر أساس للتشريع، وعدم جواز سن قوانين تتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام، وفي ذات الوقت لا يمكن سن قوانين تتعارض مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات الأساسية الواردة في الدستور. كذلك مع ماورد في الفقرة الثانية من المادة نفسها بالحفاظ على الهوية الاسلامية لغالبية الشعب العراقي، وضمان كامل الحقوق الدينية لجميع الافراد في حرية العقيدة والممارسة الدينية كالمسيحيين والإيزديين والصابئة المندائيين.
  3. سيادة القانون جاءت نصا في احكام المادة (5) من الدستور.المواطنون ومن يحكمهم ملزمين بطاعة القانون. في مقترح التعديل المقدملا سيادة للقانون. فإذا اقر مشروع التعديل من قبل مجلس النواب وأصبح قانونا نافذا فان للمذهب الجعفري احكامه وللمذاهب السنية احكامها أيضا، واي منهما غير معني بالنصوص القانونية التي تخص الآخر ولا يلزم بطاعة قانون الآخر. ويتجسد ذلك في العديد من قضايا الأحوال الشخصية. وعندما تكثر النصوص غير القابلة للطاعة تتوقف وظيفة سيادة القانون، لا بل ان القانون يتخلى عن التعريف الذي اشتهر به على انه: (مجموعة القواعد القانونية العامة المجردة التي تنظم العلاقات بين الأفراد او بينهم والدولة ويلزم مخالفها الجزاء). عندئذ يفقد القانون صفته كقاعدة عامة تلزم المواطنين كافة ويسقط القانون عن تعريفه أعلاه، ولا يلزم قطاعات واسعة من المواطنين.
  4. مقترح التعديل يضرب في الصميم مبدأ المساواة بين المواطنين امام القانون الذي نصت عليه المادة 14 من الدستور، بتكريسه التمييز الطائفي، مهدداً الاستقرار الاسري ووحدة النسيج والتعايش المجتمعي القائم على الزيجات المختلطة ما بين الأديان والمذاهب والقوميات والأعراق.  كذلك ينكر دور الدولة في كفالة الأمومة والطفولة والشيخوخة الذي نصت عليه المادة 29 من الدستور، بكونها طرفا ثالثا يحتم عليها تنظيم احوال الأسرة التي هي أساس المجتمع، ورسم لها وظيفتها الاجتماعية المتمثلة في المساهمة في البناء المؤسسي للدولة، مما يلقي على الدولة مسؤولية الحفاظ على كيان الأسرة  وقيمها الدينية والأخلاقية والوطنية واستقرارها، وتامين سيادة القانون وفرضه على الجميع.
  5. مقترح التعديل وتصريحات المدافعين عن المشروع، يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات الذي ورد في المادة (47) من الدستور، التي نصت (تتكون السلطات الاتحادية من السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات). كما ينسف مقترح التعديل  مبدأ سيادة القانون، ويصادر استقلالية القضاء ودور مؤسساته التي تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها وتصدر أحكامها وفقاً للقانون، ووفقاً للمادتين 19 و87 من الدستور، يضاف لهما نص المادة الدستورية 88: (القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة). 
  6. مقترح التعديل يخلق سلطة تشريعية رديفة موازية لمجلس النواب وهي فتاوى واراء الوقفين الجعفري والسني فالفتاوى لديهم (تشريع). وبذلك تكون هناك سلطة تشريعية اخرى تكون لفتاواها نفس القوة القانونية للتشريعات التي يصدرها مجلس النواب. كما يربط مقترح التعديل  محكمة الأحوال الشخصية بديواني الوقفين الشيعي والسني، وهما إدارات تنفيذية ترتبط بالسلطة التنفيذية الممثلة بمجلس الوزراء وعلى وفق احكام المادة (103/ثالثاً) من الدستور، التي جاء فيها (ترتبط دواوين الاوقاف بمجلس الوزراء)، وبموجب قوانينها فهي معنية بحفظ أموال المسلمين لا علاقة لهما بالأحوال الشخصية.
  7. مقترح التعديل يتناقض مع التزامات العراق بالمواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان التي اصبحت جزءاً من المنظومة القانونية الوطنية، واكد الدستور على احترامه لبنودها ومضامينها بموجب المادة (8) منه.
  8. مقترح التعديل احال مسألة التنظيم بمجملها الى مدونة شرعية تكتب لاحقاً، بما يحيل المسألة الى مجهول لا يعلمه احد، بدليل ان المقترح اشار الى احتمالية عدم امكانية تحديد الرأي المشهور في المذهب عند كتابة المدونة، وارجع المسألة الى رأي المرجع الأعلى الأكثر تقليداً او رأي المجمع العلمي الإفتائي، والزام الأفراد بقواعد قانونية تفرضها الدولة دون ان تكون هذه القواعد معلنة ومنشورة وفقاً لأحكام المادة (129) من الدستور التي تقتضي نشر القوانين (بمفهومها الواسع  أي كل قاعدة تلزم الافراد بتنظيم معين) في الجريدة الرسمية، بما يتعارض مع اصل الالزام في القاعدة القانونية.
  9. مقترح التعديل يمنح دواوين الأوقاف صلاحية اعداد المدونات الفقهية للأحوال الشخصية، بمثابة تفويض من مجلس النواب الى تلك الدواوين بالتشريع. وهذا يعني تنازل مجلس النواب عن بعض صلاحياته، وهذا ما لا يملكه مجلس النواب، لأن الدستور العراقي لم يأخذ بمبدأ التفويض التشريعي، ولم يرد في صلاحيات مجلس النواب الواردة في دستور عام 2005 النافذ ما يشير إلى هذا المعنى، ومن ثم تصبح عملية التفويض غير ذات أثر دستوري أو قانوني.
  10. مقترح التعديل لم يراعي الآثار التي تترتب على الغائه النصوص التي تتعارض مع احكامه بشكل مطلق، مما سيؤدي الى الغاء نصوص في قوانين أخرى، كالقانون المدني وقانون العقوبات وقانون المرافعات والاثبات، لاختلاف التنظيم الوارد في احكامه، وعدم ايراده أي جزاءات قانونية على من يخالف احكام قانون الأحوال الشخصية، حيث سيصبح الجزاء اخروي لا دنيوي، بما يتعارض مع فكرة الدولة وتنظيمها للمجتمع. كما انه لا يراعي اختلاف قواعد الاثبات المقرة قانوناً مما يقتضي بإلزام القضاء بتطبيق قواعد اثبات غير منصوص عليها قانوناً، مما يوجد قوانين موازية تطبق بتباين وتعارض باختلاف المناطق الجغرافية او اختلاف الشخوص.
  11. مقترح التعديل سيفتح باباً للتلاعب بمعتقدات الأفراد من خلال تغييرهم لمذاهبهم وادعائهم الانتماء الى مذهب دون آخر تبعاً للمصلحة الشخصية او الآنية، مما يؤدي الى ظهور اشكاليات في التطبيق ستؤدي الى ازدياد الدعاوى القضائية وحالات الطلاق بحجة تغيير المذهب او الانتماء، وهو ما كان يعاني منه تنظيم الاحوال الشخصية في العهد الملكي في ظل عدم وجود قانون موحد.
  12. أثار مقترح التعديل قلق الشارع العراقي بمجمله، ومن جميع الديانات والمذاهب، لأنه يخرق الدستور والمبادئ التي تشكل نظام الحكم في العراق. لقد تجلى ذلك في نتائج استطلاع الرأي حول تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 188 الصادر عام 1959، الذي قام به فريق مختص باستطلاعات للرأي العام العراقي. شارك في الاستطلاع 61648 ألف عراقي لمدة 3 أيام، وأعلن عن نتائجه في 17 آب الماضي. وقد عبر 73.2% من المشاركين في الاستبانة الإلكترونية عن رفضهم بقوة تعديل القانون، مقابل 23.8% من المصوتين عن موافقتهم على تعديل القانون، أما بقية النسبة 3.1% من المصوتين فقط عبروا عن عدم اهتمامهم. كما أن نسبة 81.6% من المصوتين عبروا عن رغبتهم بان يكون قانون الأحوال الشخصية ذو طبيعة مدنية، مقابل 18.4% من نسبة المصوتين ممن طالبوا بان يكون القانون ذو طبيعة طائفية. علماً بلغت نسبة المصوتين من داخل العراق (85.4%) مقابل نسبة المصوتين من خارج العراق (9.5%).

ختاماً،

ومن منطلق  إن الدولة بقوانينها القائمة على تقدير المصلحة العامة وحماية المساواة ومعنى المواطنة – وليس الفقه – هي مصدر الشرعية الوحيد دستورياً، وينبغي أن تُصاغ القوانين على أساس المصلحة العامة للعراقيين، كمواطنين متساوين،

نؤكد على ضرورة السحب الفوري لمقترح التعديل حفاظا على وحدة العراق وشعبه وحماية للأسرة والمجتمع، والالتزام بما ورد في قرارات المحكمة الاتحادية العليا التي اكدت على عدم تعارض قانون الأحوال الشخصية مع احكام ثوابت الإسلام في قراراتها، حين عرّفتها المحكمة بأنها: “المبادئ المستقرة والمجمع عليها في جميع المذاهب التي لا يمكن مخالفتها شرعاً، وبالتالي متى كان هناك خلافاً فقهياً بين مذاهب المسلمين في مسألة معينة فإنها لا تعد من قبيل ثوابت احكام الاسلام التي لا يجوز تشريع خلافها”. نضع أمامكم عدداً من قرارات المحكمة الاتحادية العليا:

(95/اتحادية/اعلام/2014)، (135/اتحادية/2021)، (136/اتحادية/2023)، (147/اتحادية/2023)، (113/اتحادية/اعلام/2014)، (9/اتحادية/اعلام/2015)، (134وموحدتها 135/اتحادية/ اعلام/ 2018)، (54/ اتحادية /2019)،

(58/اتحادية/2019)، (12/اتحادية/ 2019)، (69/ اتحادية / 2012).

مع التقدير والاحترام

تحالف 188 للدفاع عن قانون الأحوال الشخصية

بغداد في 2 أيلول 2024

Comments are closed.