10441034_573147619468631_7205287010533000930_n

ملاحظة أوليَّة على اقتراح القانون الديني للأحوال الشخصيَّة في العراق الشيخ محمد علي الحاج العاملي

  • بمعزل عن تفاصيل قانون الأحوال الشخصيَّة الديني المُقْتَرَح في العراق، وبمعزل أيضاً عن القانون المدني الحالي المعمول به منذ ما قبل سقوط نظام البعث العراقي… لكن من ناحية مبدئيَّة أتوجَّه للشعب العراقي عموماً، وللشخصيات الدينيَّة المتحمسة لإقرار القانون “الديني” على وجه الخصوص؛ لأقول لهم بالفم الملآن، ليس من موقع الناصح بل انطلاقاً من التجربة اللبنانيَّة التي مرّ عليها قرن من الزمن، والتي هضمها وخبرها المجتمع اللبناني بشكل كبير جداً: 
  • نحن في لبنان ومنذ بداية لبنان الكبير – أي منذ قرن – ونظام الأحوال الشخصية(الزواج، الطلاق، الإرث، الحضانة…) ذو صبغة دينيّة، وتشرف على ذلك المؤسسات الدّينيّة الرسميّة، وكلّ طائفة في لبنان تحدد أنظمتها الخاصّة في حين أن سلطات الدولة اللبنانيّة تتبنى ما تقرره كلّ مجموعة دينيّة من دون أن يكون لها أي حق في التدخل في التنظيمات والتشريعات الداخليّة للطوائف.
  • لكن السؤال الأهم: كيف كانت هذه التجربة؟ هل استفاد منها المجتمع اللبناني عموماً؟ بل هل كانت تداعياتها ايجابية على المكوّنات الطائفيّة اللبنانيَّة؟ وكيف يمكن لنا أن نقييم هذه التجربة؟ 
  • *زبدة القول* 
  • ليس أسوأ ما في المحاكم الشرعيّة – بل وكلّ المؤسسات الدينيّة الرسميّة – أنها تقوّض دور الدولة، ووجودها يتنافى مع فلسفة قيام سلطة سياسية وإداريّة مدنيَّة شفافة وسليمة؛ بل الأسوأ من كلّ ذلك هو تحوّل المسؤول “السياسي المدني” لمسؤول وآمر لرجال الدين الذين يرتبطون به بضرورة الأمر الواقع، لأن هذه المؤسسات الدينيّة الحكوميّة لا بدّ أن تخضع للسلطة السياسيّة، وحينما نقول “خضوع” لا نقصد به مجرد ارتباط إداري، بل بالمعنى اللغوي الحقيقي التام للكلمة.
  • *المؤسسات الدينيّة الرسميّة: منفذ الحاكم السياسي للسيطرة على علماء الدين*
  • كما أنّ أسوأ من ذلك “الأسوأ” أيضاً هو صيرورة رجال الدين – في فترة زمنية ليست طويلة – ضمن اللعبة السياسية المحليّة، ودخولهم في دوامة لا يعلم إلا الله مساوئها، لأنَّ الأمر يبدأ فردياً، بتحكم الحكومة بشخص رجل الدين الطامح لتولي موقع القضاء الشرعي في السلطة، ثمّ تتسع الدائرة حتى يتحول المئات من رجال الدين يتحركون وفق مصالحهم الخاصّة.. بعد ذلك تنشأ سلطة قويَّة في الجسم الديني، تستمد قوتها من سلطتها الرسميّة؛ تالياً هذه السلطة سقفها الحاكم السياسي المدني!!!
  • هذا الأمر بمعزل عن رفضنا لدخول علماء الدين في لعبة المصالح الخاصّة، ومكاسب الدنيا، ناهيك عن كون المسؤول السياسي – الذي يتحرك وفق مصالحه الانتخابيّة الضيقة والصغيرة – قد يفرض ويخلق بعض “المعممين” التابعين له، حتى يعزز سلطته في الجسم الديني والسياسي.
  • *من وحي التجربة اللبنانية*
  • هذه المساوئ كلها خبرناها في لبنان، بل عانينا منها، ونعاني منها يومياً.
  • حيث تحوّلت مسألة وجود “المحاكم الشرعيّة الجعفريّة” – وسواها من مؤسسات رسمية دينيّة في لبنان – من مؤسسة يفترض أنها تعين رجال الدين، وتسعى إلى تطبيق الشريعة الإسلاميّة.. إلى مؤسسة تتحكم برقاب  علماء الدين، وتسيء إليهم، وتعتدي عليهم، ذلك أن من مصلحة أي حاكم سياسي أن يسيطر على الجسم العلمائي الديني، هذا من أبده البديهيات، وهذه المؤسسات الدينيّة الرسميّة تكون منفذه الأساسي للتدخل في الشأن العلمائي.. بل هي “يد الحاكم السياسي” لضرب أهل العلم والدين!!!
  • و”السياسي” عموماً يُفضّل أن يأتي برجال دين للسلطة القضائيّة من درجة متدنية، ووضيعة، فلا مصلحة للرجل السياسي أن يتولّى رجل دين تقي وورع، وله حيثيته وقراره حر وبيده، بل يُفضّل أن يكون في المواقع الرسميَّة أقل رجال الدين قيمةً، لأنهم يأتمرون بأمره، وينفّذون إرادته.
  • *تعزيز منطق الطوائف لا الدولة*
  • وعقب ذكر هذه المساوئ لا نتجاهل في خضم إبداء رأينا الموجز في هذه المسألةِ قضيةً تتجاوز ضرب الجسم العلمائي الديني، إلى قضية إعاقة قيام دولة؛ لأن تسليم شؤون كلّ طائفة لأبنائها يعني بناء مجموعات طائفيّة، وتعزيز النَفَس الطائفي، وتالياً تتجذر هذه “الكتل الطائفيّة” على حساب الدولة، ما يتعارض مع قيام نظام حكم سياسي حديث.
  • *الأولوية ل”تنزيه الدين عن الدولة”*
  • المطلوب منا كرجال دين مسلمين: أن نتفكر في الأبعاد الخطيرة لربط الدين بالدولة، بل لاستغلال الدين من قبل رجال السياسة، وفي بعض الأحيان قد يكون رجال السياسة يعتمرون عمامات، ويرتدون الجبب والأزياء الدينيّة.
  • لذا علينا إعادة النظر بكلّ المنظومة الفكريّة التي قامت عليها طروحاتنا الدينيّة، لا سيما تلك المتعلّقة بالمزج بين الدين والدولة… فقد آن الأوان ليكون مطلوب “تنزيه” الدين عن السياسة هو مطلب علماء الدين الإسلامي، وليس مطلب سواهم، فزج الدين بالدولة هو إساءة للدولة، وإساءة أكبر للدين، بل هو تشويه للدين وتخريب للدولة.

Comments are closed.