77777777

((تشريع القوانين واثره في شرعية المجالس المنتخبة))

تتنوع الغايات وراء إنتاج القواعد التشريعية، بين السعي لضمان مصالح الفئات الأولى بالرعاية، والمصالح العليا لمجموع أفراد المجتمع أو ما يعرف بالشعب الاجتماعي، وهم الأفراد القاطنين في اقليم الدولة والمنتمين اليها برابطة الجنسية، أو الهرولة نحو بناء القوة داخل المجتمع، أو مجرد اثبات الوجود التشريعي عن طريق اصدار قوانين لا تمت بصلة لاحتياجات المجموع وضرورات التنظيم.

هنا يمكن التمييز بين نوعين من المجالس المنتخبة، الأولى هي التي يكون لديها تواصل حقيقي مع الواقع، وتمتلك المؤهلات لتترجم تواصلها إلى قوانين مشرعة بطريقة ديمقراطية، يستمع فيها لآراء المختصين، وتوضح فيه الاحكام للافراد المخاطبين باحكامها، وتراعى فيها الفئات الضعيفة بما يجعلها أقرب للعدالة، فنكون امام تشريع مستقر في وجدان المخاطبين به، متى كان نتاج قراءة صحيحة للمعطيات الاجتماعية والثقافية والاحتياجات الإقتصادية، محققا الغايات المرجوة منه عند وضع نصوصه موضع التطبيق.

في المقابل اذا كانت السلطة التشريعية منفصلة عن الواقع، تعمل على فرض رؤية أعضاءها باعتبارها ارادة القابضين على السلطة، مستندة في ذلك على نتائج الانتخابات في جانبيها الاجرائي والرقمي فقط، دون مراعاة للشرعية المستندة إلى رضا أفراد المجتمع، فاننا سنكون أمام تشريعات اشبه ما تكون بتعمد زراعة ادغال أو حشائش ضارة بين النباتات والمزروعات التي نمني النفس بمنتوجها الوفير ، فيغدو التشريع آن ذاك وبالا على الجماعة بمضار وسلبيات اكثر من منافعه المتوقعة،

ومثل هكذا قوانين ستتحول لمجرد منتج سلطوي لا تشفع الجزاءات التي تتضمنها طياتها في الزام الأفراد بالايمان بعدالته أو جدوى تطبيق بنوده، فيهمل ولا يراعي بنوده الاغلبية .

ان أي تشريع لا يمكن وصفه بالجيد، متى اعتمد المواربة والخداع أو المقايضات غير الاخلاقية في عملية تشريعه، ذلك أن القانون اذا استهدف تنظيم الجماعة بحق، وجد مشروعيته تنطلق لا من استكمال الشكليات الخاصة بسنه واقراره من قراءة لنصوصه ونقاشات داخل المجلس واغلبية تتوافق مع نصوص الدستور، فهذه الاجراءات رغم ضرورتها ، لا تختلف كثيرا بين دولة واخرى، لا بل لا يؤدي مراعاتها إلى تحويل النظم الاستبدادية إلى ديمقراطية، فكثيرا ما تتبجح النظم الدكتاتورية بنسبة التصويت أو حجوم المؤيدين، فالمعايير الشكلية لا تغير من مضمون أو حقيقة الاشياء.

انما ينبغي أن يستند القانون في شرعيته وجودا وديمومة لارادة شعبية حقيقية، واعية بقدرته على التنظيم ، تدفعها لتطبيق احكامه برضا سليم حتى في الاحوال التي تزاد فيها التكليفات المندرجة ضمن بنوده، لايمان الأفراد بعدالته.

وبخلاف ذلك فإن التغيير سيلاحقه مع أول فرصة تتاح للأفراد عند انقلاب موازين القوى، لانفصاله عن الجماعة، وعدم انسجامه مع تطلعاتها، ومن هنا فإن المجالس المنتخبة عليها أن تعي الفارق بين أن تكون ممثلا حقيقيا عن مجموع أفراد الشعب، مدافعة عن حقوقه لا ان تعكس ارادتها أو ارادة الطبقة الحاكمة أو ان تعتكز على ما تملكه من قوة لن يكون لها وجود متى فقدت مشروعيتها العددية، مع سبق فقدانها لشرعيتها المستمدة من ايمان الشعب بصدقية وجدارة تمثيلها .

وائل منذر البياتي

Comments are closed.