Haidar-Saeed

عن قانون الأحوال الشخصية: تقنين الشريعة: عودة عراق الربع الأول من القرن 21 إلى لحظة محمد قدري في الربع الأخير من القرن 19

عن قانون الأحوال الشخصية: (4/ 2) تقنين الشريعة: عودة عراق الربع الأول من القرن 21 إلى لحظة محمد قدري في الربع الأخير من القرن 19 يشير محمد قدري، في مقدمة كتابه “الأحكام الشرعية في الأحوال الشخصية” (1875)، وهو لم يكن رجل دين، إلى الغاية التي حكمت هذا المشروع، والتي تتمثل بجمع الأحكام الشرعية في هذا المجال في مدونة واحدة، تكون مدونة مركزية، يستند إليها القضاء الشرعي في عمله، يقول واصفًا الكتاب: “هذه جوهرة في الفقه فريدة، ملتقطة من بحر مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان، ومشتملة على الأحكام المختصة بذات الإنسان، من حين نشأته، إلى حين مَنِيّتِه وتقسيم ميراثه بين ورثته. وقد نُظمت لآلئها [كذا]، ليُستضاء بأنوارها البهية في المحاكم المصرية”. كان قدري قريبًا من الخديوي إسماعيل وابنه الخديوي توفيق، وقد أصبح لمرتين وزيرًا للحقانية (العدل)، وكُلف بترجمة القوانين الفرنسية. وبسبب هذا، كان قدري في قلب مشروع إصلاح النظام القضائي والقانوني المصري. وقد كان النافذة الأولى التي اطلعت مصر ودولتها من خلالها على المنجز القانوني الفرنسي. ومع ذلك، لم يسعَ قدري إلى أن يستبدل بالشريعة الإسلامية قانونًا وضعيًا أوروبيًا، بل إن جل ما قام به هو وضع الشريعة في مدونة مركزية واحدة، ليشكل عملُه هذا – إلى جانب مجلة الأحكام العدلية – واحدة من مدرستين كبريين حكمتا الفكر القانوني في المشرق الإسلامي الحديث، مدرسة تقنين الشريعة، التي تُخصع أحكام الشريعة إلى مدونة حديثة شبيهة بالقانون، في مقابل مدرسة التقنين الأوروبي الحديث. اتخذ كتابُ قدري طابعًا شبه رسمي، من جهة كونه نصًّا معتمدًا في القضاء. ولهذا السبب الذي أحدث طلبًا عليه، أعيد طبعه مرات عدة. وقد أصبح كتاب قدري هذا، وكتاباه اللاحقان، فضلًا عن مجلة الأحكام العدلية من أهم المصادر التي استندت إليها المدونات الناتجة عن عملية تقنين الشريعة، ولاحقًا القوانين الصادرة في البلدان الإسلامية والعربية، وفي القلب من ذلك مدونات الأحوال الشخصية وقوانينها. الحالةُ التي يمثلها كتاب قدري وما صدر على شاكلته حالة تسبق القانون: أن يقوم شخص مدني ما، أو جهة مدنية ما، رسمية، أو قريبة من الدولة، بجمع الأحكام الشرعية ذات الصلة بموضوع محدد في مدونة محددة (كتاب في الأغلب)، يكون قد راجع الاختلافات، واختار منها، ولا يترك الأمر لاجتهاد القاضي الشرعي (رجل الدين). ويورد الحكم في هذه المدونة من دون خلفياته الأصولية، من استدلال ورجال وأسانيد وما إلى ذلك، ولا تورد تعدد الوجوه فيه. فعلى سبيل المثال، يضم كتاب قدري 647 مادة، مقسمة على جزئين: 1 – في الأحكام المختصة بذات الإنسان، 2 – في المواريث. الجزء الأول مقسّم على 5 كتب، هي: 1 – في النكاح، 2 – فيما يجب لكل من الزوجين على صاحبه، 3 – في فرق النكاح، 4 – في الأولاد، 5 – في الوصي والحجر والهبة والوصية. الكتاب الأول منها يضم 10 أبواب، تستعرض الأحكام الخاصة بالنكاح وشرائطه والولي والمهر وما إلى ذلك من مسائل ذات صلة، ويضم الكتاب الثاني 4 أبواب، تستعرض أحكام النفقة وما إليها، ويضم الكتاب الثالث 5 أبواب تستعرض أحكام الطلاق والخلع. وهكذا، يستعرض الكتاب مسائل الأحوال الشخصية كاملة، مكتوبة – أسلوبيًا – بلغة المادة القانونية. وهذه الحالة هي التي ستتطور، استنادًا إلى مادتها قوانين مدنية، في مقدمتها “قانون حق الأسرة”، الذي شرعته الدولة العثمانية في العام 1917، ثم قوانين الأحوال الشخصية في مصر وسورية وسائر البلدان العربية. إذن، تعكس هذه الحالةُ الجهدَ الأول ل “تقنين الشريعة”، أي صياغة أحكامها في قوانين رسمية حديثة، وعلى نحو أوسع، يعكس هذا مشروع “دولنة المؤسسة الدينية”، أي إخضاعها لسيطرة الدولة، لتكون هي صاحبة ما يعرف في الأدبيات الشرعية “اليد المبسوطة”، التي تنفذ القوانين. وهو الأمر الذي تم بصورته الكاملة في مصر. وفي العراق، جرت حالة مماثلة، حين ألّف حمدي الأعظمي (وهو فقيه شغل مناصب مدنية في مؤسسات الدولة)، في أواسط الثلاثينيات من القرن العشرين، حين كان يشغل منصب “المدون القانوني لوزارة العدل” كتاب “مجموعة المحاضرات في الأحوال الشخصية”. هذه الحالة، التي يشكل كتاب قدري صيغتَها النمطية، هي حالة فوق المدونات الفقهية التقليدية، ودون القانون الحديث. وهي، بالضبط، ما يسعى مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية العودة إليه.

Comments are closed.